[2]

ذلك أن كان هذا التغيير هو قاعدة التاريخ، و الاستقرار و الثبات ضد حركة الزمن ، الثبات مقاومة مستحيلةلعقارب الساعة ... جمود ... تخلف... لأن عقارب الزمن لا تقف  .. والذي يواجه عجلة الوقت سوف تفرمه - أن اجلا أو عاجلاً-  قطارات الأيام .. هذه هي طبيعة النشاط الأنساني الذي قد يقبل لفتره حالة الركود لكنه لا يوافق عليها .. و إذا توهم أحد أن هذه الموافقة حقيقية فسوف يفاجأ بالثورة التي تقلب كل الأوضاع ، وتعيد النشاط الأنساني إلى القضبان التي خرج عنها  وتجعلها تدور في اتجاه عقارب الساعة

و في مسيرة الفن المصري و الغناء بالتحديد لم تصمد ألمظ امام منيره المهدية  .. ولم تصمد منيرة أمام أم كلثوم وأسمهان وليلي مراد .. ولم يصمد داوود حسني أمام محمد عبدالوهاب وفريد الاطرش .. بل لم يصمد عبد الوهاب أمام عبد الحليم حافظ  وحين أدرك التغيير القادم عبر صوت عبد الحليم حافظ مضي سريعا في التحول و تغير اتجاهه والدليل واضح جدا في تراث محمد عبد الوهاب قبل و بعد الثورة ،، أختلاف تام

 

و لقد كان كل واحد من رموز الغناء في مصر مواكبا لحدث تاريخي بعينه ، مرتبطأ بجيل أفرزته الاحداث السياسية .. والذي سيعود لمراجعة أوراق الزمن سويتأكد ـ إذا كنا نرصد فقط ما حدث في القرن العشرين ـ سوف يتأكد من هذا  .. سوف يرى أن داوود حسني و سلامة حجازي كانا يعبران عن جيل ما قبل الحرب العالمية الاولى ، وسوف يرى أن سيد درويش كان معبرا عن جيل ثورة 1919 و أن عبد الوهاب كان يعبر عن مصر العشرينات و الثلاثينات و أن فريد الاطرش كان يعبرعن الاربعينات ، ثم جاء عبد الحليم حافظ ليكون معبرا عن الخمسينات و الستينات قبل ان يفسح المجال لصوت أحمد عدوية الذي عبر عن ذوق ما بعد حرب 1973 و سنوات الأنفتاح الاقتصادي

و ربما كانت صدفة، و لا أظنها كذلك أن تتواكب هذة الأحداث السياسية المتغيرة مع تغير اخر على مستوى التكنولوجيا .. أي أن في أتجاه الوسيلة الإعلامية التي تنقل الفن إلى الجماهير .. أن مراجعة أوراق التاريخ نثبت هذا .. تثبت أن الصوت الذي كان يسيطر على أسماع الناس في مرحلة حفلات بيوت الملاهي تغير حين ازدهرت السينما .. وهي كذلك تركت الساحة لآخرين حين جاءت الاذاعة ثم جاء التلفزيون .. حتى وصلنا إلى مرحلة ال سي دي و سماع الأغاني بالكمبيوتر

لقد فرضت مرحلة الغناء في بيوت و الملاهي نوعا من المطربين يعطي إيحاء بأنه شخص من نفس النوع كل وظيفته أن يسعد الناس الذين كلفوه بالغناء في حفلاتهم الخاصة و كان من الطبيعي حين ازدهر المسرح أن يكون الطرب و الغناء مختفا لا سيما أن هذا المسرح قدم شكلا جديدا للفن هو الاوبريت

وتميز مطروبوا مرحلة السينما بأنه لم يكن ضروريا أن يقدموا فنهم للناس بصوت جهوري .. و اختلف مطربوا المرحلة الاولى للاذاعة بالحرص الشديد على نقاء الصوت و قصر الاغاني وحين جاء التلفزيون كان من الضوري أن يتميز المطرب ببعض الوسامة و بمحاولة إخراج شكل أفضل للأغنية يواكب خصائص هذه التكنولوجيا التي دخلت كل بيت ، ثم جاء لمصر الدش و الاقمار الصناعيه كان يجب أن يظهر على الساحة مطربون قادرون عاى الابهار و إلا فإن المشاهد سوف يغير القناة فورا بحثا عن مطرب آخر

. لقد كان التغيير ضروري أذا

. ولكنه ليس مؤكدا

ليس فقط لانه بمضي الوقت خصعت جبهة الرفض لاتجاه الريح وصار رفضها هوعكس الريح .. ولكن أيضا لأن الوطن كله كان يتغير ، تحدث داخلة ثورة صامتة هادئة ، ثورة على البارد .. يتغير معها كل شئ في المجتمع . بداية من مؤسسات الدولة و حتى التيارات السائده في الشارع

. كان التغيير مؤكدا لأن مصر نفسها تغيرت .. بعد أن كانت تحارب أسرئيل .. وبعد أن كان خلاف حول موعد الحرب .. صار هناك سلام و صار الخلاف حول مدى و درجة و نوع و توقيت التطبيع العلاقات مع هذه الدولة التي كنا نحاربها بالامس

كان التغيير مؤكدا لأن مصر نفسها تغيرت و بعد أن كانت الساحة خالية تقريبا من أي اتجاه سياسي غير مؤيد لجمال عبدالناصر .. صارت هناك اتجاهات عديدة نختلفة من الليبراليه و حتى التطرف الديني .. بل و الجماعات الارهابية  وبعد أن كانت مصر بلد الحزب الواحد .. صارت بلد ال13  حزبا والتي تموج فيها جماعات الضغط و الصحف و المختلفة التي تبدو و كأنها تعبر عن أتجاهات متنوعة

صار التغيير مؤكد لأن مصر نفسها تغيرت .. ولم تعد هي دولة القطاع العام و أنما صارت هي دولة الانفتاح و الخصخصة و قطاع الأعمال  و البطالة و الاستثمار  وبعد أن كانت ترفض أي ظهور أجنبي على الساحة صارت الآن تعدل القوانين و تفتح الأبواب و تقوم بحملات الدعاية كي يأتي الأجانب

هل هذا كله يبدو بعيدا عن الموضوع الذي نحن بصدده الان؟

. الاجابه هي النفي

لماذا؟

لأن كل هذا التغيير الذي حدث على مستوى السياسي و الاقتصادي أدى إلى تغيير مواز في أذواق المستمعين.. تغيير على مستوى القيم و الافكار  والاتجاهات تغير معنى الحب و تغيرت طبيعة العلا  وتغيرت الأحلام  و تغيرت الاماني و تغيرت المتاعب  وصار هناك جيل جديد مختلف تماما جيل قد تجد بينه من يعبد الشيطان  وقد تجد بينه من لا يتحدث سوى الانجليزية  جيل يتابع كل ما يحدث في الخارج و يطالب بمثله في الداخل  سواء على المستوى الاقتصادي و السياسي أو على المستوى الفني جيل يمكن أن تنتشر بينه في لحظة موضه جديدة في اللبس أو قصة الشعر جيل لا تبهره الاشياء العادية جيل يسابق عجلة الزمن و لا يقف أمام عقارب الساعة جيل متمرد ساخن ثائر غاضب هائج سافر لا يعجبه العجب ، ولا يرضى بالطبع بالصيام في شهر رجب ، جيل اذا استضاف التلفزيون أحد أفراده فانه نادرا ما يطلب سماع أغنية لعبد الحلبم حافظ

.لقد مضى زمان عبدالحليم 

هل أذا حين أكتب هذا الكتاب أكون ضد عبدالحليم؟

لا..طبعا و أنما أنا ذلك الذي أحببته و عشقته ، ولكنني لم ادمنه ، وأرى أنه كان له زمان و نحن لنا زمان آخر .. من نوع مختلف بذوق مختلف وأرى انه لو كان عبد الحليم على قيد الحياه لتغير .. حتى يواكب الاحداث أو استسلم للجمود و دهسته عقارب الساعة

و إلا فهل لو كان عبد الحليم حافظ حيا كان وقف امام رئيس الجمهورية و رموز الدولة و قادة الجيوش .. و أحضر معه عددا هائلا من  الشباب الراقص ، والبنات الجميلات ، واللاتي كان بعضهن يلتزمن في ملابسهن بأحدث خطوط الموضه .. وغنى في حفلة تخريج دفعات طلبة الكليات الحربية راجعين .. هل كان يفعل ذلك؟

.لا أظن

إن تلك هي الحادثة التي أجلت ذكرها في بداية تلك المقدمة و هي الحادثة التي أرى انها تعبر تماما عن التغيير الذي حدث  في مصر و التي كان بطلها عمرو دياب

ومن هنا أعددت هذا الكتاب ليس فقط كي أرصد قصة مغني بارز  وهام  هو عمرو دياب ، و لكن لكي أرصد قصة التغيير الذي عبر عنه هذا المتمرد الذي مضى كثيرا في اتجاه عكس الريح حتى حول اتجاه الريح ، ولكي أرصد كذلك قصة المغني في أطار نماذج جيله كلها و ليس هو وحده فقط .. فعمرو دياب جزء من ظاهرة وليس كل الظاهرة

[السابق]     [التالي]    [الرجوع إلى الفهرس]

 

 

Copy Rights Reserved @ DiabOnline / جميع الحقوق محفوظة @ دياب أون لاين